الأحد، سبتمبر 24

الاخبار العاجلة لرفض اطارات مديرية الاشغال العمومية حضور حصة اداعية "اضاءات للصحافية امينة تباني والصحافية تعلن رسميا رفض ضوفها الحضور الاداعي كشكوي للمستمعين ومن محاسسن الصدف ان حصة على وقع الحدث انقدت الحصة الاداعية الضائعة وهكدا اصبح مسيري دشرة قسنطينة يرفضون الحضور الاداعي بسبب التراجع الشعبي لاداعة قسنطينة واغراقها في القضايا المحلية التافهة والاسباب مجهولة

تغيير نظرتنا إلى الآخرين

بقلم: نور الدين بوكروح
ترجمة: عبد الحميد بن حسان 
إنّ الجنس البشريّ عندما يُنْصِتُ إلى نداء الكون يدرك أنّه كائن آتٍ من أعلى عِليّين، كما أنه يعرف بالفطرة أنّه سيرجع إلى حيث أتى، ورجوعه يكون إمّا بالجسد أو بصورته الذرية الأصلية، وإمّا بالرّوح على الأقلّ. فذلك هو معنى الحياة الروحية: هي نظرة إلى الأعلى، أو إحساس بأنّ الإنسان جزء من محيطه الكوني. وإذا نظرنا إلى القرآن حسب ترتيبه الزمني لوجدناه يضع الإنسان في مجموعة كونية متواصلة  Cosmique Continuum، إذ أنّ الأرض جزء من هذا الكون العظيم الذي ينبض بحياة مجهولة، وهو يسيربقوانين ثابتة : “وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (الذاريات: الترتيب الزمني67، الترتيب الحالي51، الآية47)، “إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا “( فاطر: الترتيب الزمني43، الترتيب الحالي35، الآية41).
إنّ الأديان الثلاثة الكبرى تشهد بوجود ذلك التواصل بين السماء والإنسان: فعند اليهود يعدّ صعودُ الرسولِ إدريسَ (Enoch) شاهدا على ذلك، وفي المسيحية يشهد على ذلك صعودُ المسيحِ، وفي الإسلام نجد قصة الإسراء والمعراج. كما تشهد على ذلك الحكايات الأسطورية لدى الشعوب القديمة (الهنود، و المايا، و الأزتيك، والمصريين القدماء، والأفارقة) والتي تنصّ على وجود اتصالات غريبة أو ملحمية بكائنات آتية من السماء، وهي آلهة أو شياطين أو ملائكة أو كائنات أجنبية عن الأرض. وتلك الحكايات مثّلتْ مادة أولية لظهور نظرية جديدة تسمى”رواد الفضاء القدامى”la théorie des anciens astronautes، وهذا بما تنطوي عليه من عناصر تُقَرِّبُها من المحتمل.
لا وجودَ لميثولوجيا mythologie أو ديانة تنظر بين قدميها بحثا عن الله، ولا إلى أعماق الأرض والمحيطات بحثا عن الأرواح. إنّ كلّ الديانات رفعت أعينها إلى السماء المُرَصَّعَةِ بالنجوم لتُسائلَها في سكون. ذلك أنّ الشمس التي تُدْفئهم توجد في السماء، والمطرَ الذي يُخْصِب الأرض ليأكلوا من ثمارها يأتي من فوقهم. و من هذه الوضعية ظهر علم التنجيم وعلم الفلك ثمّ علم الفضاء حديثا. تلك هي الأعماق الكونية التي يرمقها منظار”هوبل”Hubble الذي تمّ استبداله بمنظار آخر أكثر قوّة وهو”كيبلر”  (Kepler) الذي سيسمح للعلم بالرؤية على بعد ملايير السنوات الضوئية. وقد خُصِّصتْ لهذا المنظار العديد من محطات استقبال والتقاط الأصوات والذبذبات المبهمة الآتية من الفضاء.
ثُمّ إنّ القرآن يضع الإنسان في مجموعة تاريخية متواصلة Continuum Historique تعود إلى الجماعات البشرية الأولى. إننا لا نعرف كلّ شيء عن ماضي الإنسان، وعن الحضارات الإفريقية القديمة والسابقة لكريستوف كولومبوسChristophe Colomb ، والحضارات الهندية والأوروبية، ولا عن بعض الإنجازات العبقرية التي لم يوجد لها تفسير، مثل بناء الأهرامات بأشكال متشابهة في مختلف أصقاع المعمورة، و التماثيل العملاقة التي تتجاوز قدرات الإنسان في زمانها، كتلك الموجودة في جزيرة “باك”   Île de Paquesأو “ستونهنج”Stonehenge  في بريطانيا أو أماكن أخرى في آسيا أو أمريكا وأوروبا.
منذ عشرين سنة تمّ اكتشاف معبد عمره 12000 سنة، أي من العصر الحجريّ، وذلك في “جوباكلي تيبي” Göbekli Tepe، وهي مدينة قريبة من “كوباني” التي ارتفعت شهرتها بفضل مقاومة “الباشمرقا” لـ”داعش”. وقد كان من نتائج هذا الاكتشاف الأركيولوجي إعادة النظر في كل ما كان مُسَلَّماً به بخصوص تطور الإنسان و سيرورة تحوّله إلى كائن اجتماعيّ، إذ يتضح في هذا المقام بالذات أن الثورة الروحية سبقت الثورة التي وقعت في الفترة الممتدة بين عصور ما قبل التاريخ وعصر اكتشاف المعادن (Néolithique)، وهي الفترة التي عُرِفت بأنها الفترة التي بدأ فيها الإنسان بالخروج من الحيوانية.
وأخيرا جاء الإسلام كخاتمة لسلسلة الأديان والنبوءات التي يأتي في مقدمتها “صاحب الحوت” (النبي يونس) إذا قرأنا القرآن حسب ترتيب نزوله الزمني، إذ يشير إلى أن هذا النبي كان من “أهل الصلاح” فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ” (القلم، الترتيب الزمني 2 ،الترتيب الحالي 68 الآيات  48،50) ثمّ تتابع الرّسل الذين نعرفهم وهم : نوح وإبراهيم وصالح ولوط وشعيب وموسى و داوود وسليمان وأيوب وإسحاق ويعقوب وإسماعيل وعيسى. و أغلبية هؤلاء الرسل لم يأتوا بشريعة ولا سُنّة، بل كانت مهمتهم تتوقف عند دعوة أقوامهم إلى التوحيد وإلى الأخلاق الحميدة ومراعاة العدل في الميزان والكيل إذا مارسوا التجارة، وإلى مساعدة الفقراء والبعد عن الإفساد في الأرض. و قد أصيبت الأقوام التي كذبت الرسل أو اضطهدتهم بعذاب من الله كالطوفان أو الزلزال أو الصاعقة أو الإعصار. و كل أشكال العذاب هذه تتماشى مع الفكرة الشائعة حول “ملك الكون”.
وبالإضافة إلى هؤلاء الرسل المعروفين أو غير المذكورين بأسمائهم فإنّ القرآن يشير إلى رجال (مُلهَمين) كان لهم أكبر الأثر في عصورهم بفضل ما أوتوا من الحكمة والحدس الفلسفي، وبفضل اجتهادهم الروحي ومدرسة الفكر التي أسسوها أو الاكتشافات التقنية التي أبدعوها. ويعتبر لقمان الحكيم من بين هؤلاء مع أننا لا نعرف بالضبط متى وأين عاش. فقد خيّره الله بين النبوّة والحكمة فاختار الثانية. يقول تعالى في سورة لقمان: ” وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ” (لقمان، الترتيب الزمني 57، الترتيب الحالي 31، الآية 12).
ومن بين النصائح التي تركها لقمان الحكيم لابنه تلك الواردة في قوله تعالى: ” يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) ” ، ولنا أن نفهم الآيات بمعناها المباشر وغير المباشر. وليس من المستبعد إدراج شخصيات إنسانية كبيرة أخرى ضمن هذه الشريحة، مثل تلك الشخصيات التي ظهرت قبل سقراط (Socrate)، على غرار بوذا (Bouddha) و كونفوشيوس  (Confucius)ولاو تسو    (Lao Tse)وفيثاغورس(Pythagore)، وسقراط ذاته، أو شخصيات أخرى من ثقافات وحضارات أخرى من العصور القديمة. يقول تعالى: ” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ” (غافر، الترتيب الزمني 60، الترتيب الحالي 40، الآية 78).
إنّ نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام موصوف من بداية الوحي إلى نهايته بأنه “منذر مثل المنذرين الذين سبقوه”. يقول تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ “( سبأ: الترتيب الزمني 58، الترتيب الحالي 34، الآية 28) ويقول أيضا: ” مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ” (فُصّلت: الترتيب الزمني 61، الترتيب الحالي 41، الآية43) . وحتى بعد اعتلائه سدّة الحكم في قومه بالمدينة المنورة بعد الهجرة، بقي محافظا على مكانته كمرسول للناس كافة. إنّ الدين الذي جاء لينشره ما هو إلاّ امتداد لملّة إبراهيم وموسى وعيسى، وهو كذلك دين يتماشى مع التقاليد الدينية السابقة. ولقد ألّف عالِمُ الميتافيزيقا الفرنسي روني غينون René Guénon الذي أسلم في بداية ق 20 تحت اسم عبد الوحيد يحي، ألّف كتبا مدهشة تمكّن فيها من إيجاد قاسم مشترك واحد بين كل أشكال الحياة الروحية وأنماط التصوّف المعروفة وبين الديانات التي تدعو إلى التوحيد، وأدرجها جميعا في إطار واحد سمّاه: “الدين الحنيف” أو الدين الطبيعيّ -الأصلي، البدائي، الفطري – (la tradition primordiale).
إنّ القرآن الكريم لا يعطينا أية معلومات حول الكتب الدينية الأخرى غير تلك المعروفة، لكن بالإمكان إضافة “كتاب إدريس” (le Livre d’Hénoch) الذي عُثِر عليه بين الوثائق التي تمّ اكتشافها في البحرالميّت، كما يمكن إضافة بعض الأناجيل غير المعترف بها في الكنيسة، والنصوص “الآشورية”  assyriensالتي قد تكون التوراة la Thora, partie de la Bible استوحت منها أشياء عند تأليف “كتاب أيوب” le Livre de Job ، والألواح السومرية التي ذكرت قصة  “الجنة”   le jardin d’Edenتسعة قرون قبل ذكرها في العهد القديم l’Ancien Testament ، كما ذكرت خلق الزوج الأول من الطين وإغراء التفاحة و”الخطيئة الأولى” péché originel. وبخصوص إدريس جاء في القرآن الكريم: ” وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) ( مريم: الترتيب الزمني 44، الترتيب الحالي 19). وفي التوراة جاء أنّ إدريس، جد ماتوسالم Mathusalem “أخذه الله إليه فجأة”.
بإمكاننا الاعتقاد بأنّ الله أرسل رسله وأنزل أديانه إلى الناس ليأخذ بأيديهم في الطريق المؤدّية إلى تكوين المجتمعات البشرية الأولى. كان لا بد من إخراج الشرذمات والعشائر التي كانوا يعيشون في ظلها من طور الغريزة، ودعوتهم إلى التحلّي بالأخلاق الحميدة وإلزامهم بنظام سلوكي يقودهم إلى تكوين مجتمع في سبل العلياء التي من أجلها خُلِقوا، أي: أن يصيروا خلفاء الله في الأرض، ومن ثَمّ خلفاءه في الكون. لم تكن هذه الأديان غايات في حدّ ذاتها، بل كانت ممرّاً اضطراريا لتربية الناس و هدايتهم إلى الطريق التي توصِل إلى المحافظة على الكون والارتقاء بالإنسان في مدارج الحياة الاجتماعية والأخلاقية والثقافية كي يصبو إلى الغاية الكونية القصوى التي بدأت تباشيرها بالظهور بفضل العلم والتكنولوجيا.
إنّ الشعوب القديمة التي تمكنت من بناء حضارات هي تلك التي التزمت ـ انطلاقا من هذه الإرهاصات الفكرية ـ بسلوكات موافقة للصالح العام والمشترك وللحياة الإقتصادية والثقافية. إنّ كلّ أشكال الشرك والوثنية والميثولوجيا لم تكن إلاّ نوعا من الجاهلية في مرحلة سادها الجهل والجور والفوضى والجرائم الفظيعة كتلك المتمثلة في وأد البنات في بلاد العرب قبل الإسلام.
إنّ المتأمّل في أولى الآيات بالترتيب الزمني يندهش لعنايتها بالمسائل الاجتماعية، مثل التضامن مع الفقراء ورعاية اليتامى وتحرير الرقاب واحترام المعوّقين. وغَنِيّةٌ عن الذكر قصة عتاب القرآن للرسول (ص) بسبب إعراضه عن مكفوف جاء يسأل مسألة. هذا بالإضافة إلى دعوة تلك الآيات إلى الحرص على العدل في الميزان والكيل. إنّ هذه المسائل تمثل بؤرة العقيدة الإسلامية، وهي تتخلل النص القرآني من البداية إلى النهاية، إذ أن الإيمان لا ينفصل أبدا عن مفهوم الخير.
الإسلام شكل جديد – وأخير – لرسالة شاملة وقديمة ضُيِّعتْ أو حُرّفتْ. يقول تعالى:” وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (يونس، الترتيب الزمني 51، الترتيب الحالي 10، الآية 37). والقرآن الكريم كثيرا ما أكّد ذلك من خلال عشرات، بل مئات الآيات، لكن المسلمين حوّلوه إلى دين قَـبَـليّ، عربيّ، واستنتجوا منه أنهم وحدهم الذين يُجسّدون كلّ ما هو إلهي. هذا مع أنّ الله تعالى لم يقل في القرآن أنّه كرّم المسلم أو المؤمن، بل الإنسانَ دون النظر إلى أصله أو لونه أو ملّته أو جنسه، أي أنّ التكريم يشمل الرجال والنساء في كل زمان وفي كل خليقة. يقول تعالى: ” وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ ” (فاطر: الترتيب الزمني43، الترتيب الحالي 35، الآية 28).
إنّ على المسلمين أن يُغيّروا رؤيتهم إلى الغير. ومَنْ هم الغير؟ هم كل الأشخاص والأفكار و السلوكات والأشياء الأجنبية عن مجالهم الكوني وعن معارفهم التقليدية. إنّ الغير هم أولا إخوانهم في العقيدة: الشيعة بالنسبة للسنة والسنة بالنسبة للشيعة. إنهم المسلمون بالإنتماء الإجتماعي دون التزام بالشعائر، وكذلك اللائكيون والعرب غير المسلمين وأتباع الديانات الأخرى من غير المسلمين في كل أصقاع المعمورة، وربما حتى الكائنات خارج كوكب الأرض، وكلّ أنواع الذكاء التي سيكون علينا أن نلتقي بها في مستقبل قد يكون قريبا أو بعيدا، ذلك أن هذا الكون العجيب وغير المحدود لا يُعقَل أن يكون قد خُلِق لنا وحدنا. هذا دون الحديث عن الفرضيات الواردة فيما يسمى بنظرية الأوتار Théorie des cordes والتي تنطلق من فرضية وجود عوالم أخرى.
كان بإمكان المسلمين أن يكونوا ” خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ” قبل العصر الحديث، وبإمكانهم أن يصيروا كذلك بعده. وهذا ليس بناء على امتياز وراثيّ ولا على تفضيل إلهيّ، لكن بفضل الإتقان في المجالات الثقافية و الإجتماعية و الإقتصادية والتكنولوجية التي برهنوا على تفوّقهم فيها عندما كانوا خير أمّة فعلاً، والتي عليهم اليوم أن يثبتوا جدارتهم فيها إذا أرادوا أن يسترجعوا مكانتهم. و هذا ما لن يتحقق إلاَّ إذا صاروا هم القوة المُحرِّكة للتاريخ، ومثالا لـ “الأصالة والفعّالية” تُجاه الأمم الأخرى. والواقع أنهم بعيدون جداًّ عن هذا لأنّ أقلّية منهم تكفّلت بتدمير صورة المسلمين في عيون بقية الأمم. ولولا البترول لكانوا في المؤخرة في كل المجالات. ذلك أن الإحصائيات المتعلّقة بإنتاجهم الفكريّ ومنتوجهم الفردي الخام PIB و مؤشّر التطوّر البشريّ IDH متوفرة وشاهدة على ذلك، ومثلها هذه الحرب العالمية بين المسلمين والتي هي في بدايتها.
إنّ المسلمين اليوم لا يعُونَ التحوّلات الكبرى التي من خلالها سيدخل العالم مرحلة جديدة – خلال القرن القادم على أقصى تقدير – مرحلة توصف بأنها نمط من الحياة لم يسبق أن عرفته البشرية، تكون فيها القيادة دولية، اتحادية، موحدة، وقد تتخذ شكلا آخر. أمّا المسلمون فلا يبذلون أيّ جهد للبحث عن سبل ووسائل التكيّف مع التطورات التي بدأت إرهاصاتها بالظهور. إنهم على نقيض ذلك، فهم يفعلون كلّ شيء من أجل توحيد العالم ضدّهم. فلقد ظهرت فكرة طرد المسلمين من دول الغرب وإجلائهم جماعيَّا عند الإسلاموفوبيين المُعَادِين للإسلام، والذين ما فتئت صفوفهم تتكاثر حتى أصبحت هذه الفكرة اليوم موضوع نقاش عام، وبإمكانها أن تصير يوما ما برنامجا سياسيًّا.
إنّ رجال الدين في العالم العربيّ يُرهقون أنفسهم من أجل تقديم الإسلام بمفهوم ضيّق في الوقت الذي نحن بأمسّ الحاجة إلى إعادة التفكير فيه من أجل تمكينه من الظهور على حقيقته التي لا يحتمل غيرها. إنهم يعتبرون أنفسهم مقرّبين من الله أو”ورثة الأنبياء”، وهم بهذا يفرضون مشروعا أخلاقيا واجتماعيا تولّدت عنه مجتمعات متحجرة، منغلقة على نفسها، ومعادية لكلّ تغيير. إنّ الأفكار التي يلوكونها بنفس الألفاظ ونفس الصّور منذ قرون قد صارت بمثابة عوائق تحول دون وجود علاقات إنسانية متسامحة وسلميّة، ودون تفتّح الإنسان المسلم في رحاب الحرّيّة، كما صارت تصرف الإنتباه عن العلوم الحقيقية إلى “علم” مزوّر و خاطىء وإلى علاجات مغلوطة. وبتوجيه من رجال الدين هؤلاء صارت أعمال المؤمنين موجّهةً لإعداد الفرد للحياة الأخرى ليفوز بمكان في الجنة. إنّ تفكيرهم وأعمالهم ليست ذات طابع جماعيّ، فكلّ شيء رهن الرغبة الشخصية ورهن رأي الفرد وميله إلى الملك العام أو النزعة الذاتية. إنّ المجتمع غائب عن اهتماماتهم، والدولة أكثر غيابا، ذلك أن الدولة ما هي إلاّ فكرة باهتة عند من يعتبرون أنفسهم مؤمنين أولاً، أي بمثابة إلكترونات حُرَّة. و من كلّ هذا نجم تأخّر معظم الدول العربية الإسلامية وعجزها عن بناء مؤسسات قارّة.
إنّ الخطاب والتعليم الإسلاميين يجب أن يتجنّبا اعتبار الآخرين دوما على خطأ واعتبار المسلمين كائنات ملائكية أو ضحايا مظلومين، وأنّ الآخرين على باطل وهم على حق، وأنّ على الآخرين أن يُقدّموا تنازلات وهم ليس عليهم ذلك. يجب أن نتجنّب اعتبار الأديان الأخرى انحرافات أو أشكالا من الشرك، واعتبار أتباعها حطباً تُحمى به نار جهنم، كما يجب أن نتجنّب اعتبارهم كفارا لا لسبب إلاّ لأنهم يؤمنون بما تعلّموه وتلقّوه. علينا أن نرجع إلى جادّة الصّواب ونرى في الوضع اختلافا أراده الله ولن نفهم سبب ذلك إلاّ بمشيئته. جاء في حديث للرسول  صلى الله عليه وسلم: “لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم و قولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون “.
إنّ هناك جانبا من الحقيقة في كلّ ديانة، وفي كلّ موقف من القداسة، وفي كلّ حدس روحيّ، وفي كلّ إلهام ميتافيزيقيّ، وفي كلّ حكمة، وفي كلّ نظرية فلسفيّة (كالفيثاغورية والسقراطية و الكونفوشيوسية و التاوية…). والكلّ يُشكّل التراث الفلسفيّ والدينيّ الإنسانيّ، والكلُّ حرّ في الإغتراف مما يناسبه ويُعجبه. إنّ الحقائق الجزئية ستتقارب يوما لتُشكّل حقيقة واحدة، حقيقة إلهية وإنسانية في آن واحد. و لهذا فالمسلم يجب ألاّ يعتبر نفسه منفصلا عن شُعب “الدين الحنيف”، وعن وحدة الجنس البشريّ، وعن وحدة مصير الإنسانية. يجب عليه ألاّ يفرض نفسه كمحتكر للحقيقة أو كزبدة للجنس البشريّ، أو أن يرى أنّ الآخرين مصيرهم أن يُقتّلوا بالسيف على أيدي الإرهابيين أو أن يُرْموا في نار جهنم خالدين فيها حسبما يدّعي علماؤهم في وعودهم.
إنّ المسائل التي تنتظر من المسلمين مراجعة وإجابة خالية من اللُّبس هي تلك التي تتعلّق بتنظيم الدّولة والسلطات العموميّة، وهي العلاقات بغير المسلمين، وهي مسائل حقوق الرجل والمرأة. إنّ القانون الدولي، ووثيقة الإعلان عن حقوق الإنسان، ومبدأ التعامل بالمِثْل في العلاقات الدولية، كلُّها لا تقبل بأن يرزح أُناس تحت نير التفرقة بسبب دينهم. على المسلمين أن يتخلّوا، من تلقاء أنفسهم، عن فكرة الدولة الإسلامية لاستبدالها بفكرة الدولة العصرية، الديمقراطية والمدنية، لأنّه لا وجود لدولة مكوّنة من أتباع ديانة واحدة أو من جنس بشريّ واحد. ينبغي أن يقبلوا بفكرة أن يكونوا أقلّيةً في دولة وأغلبيةً في دولة أخرى، وأن يتبنّوا بينهم تنظيما سياسيا عادلاً بين المواطنين الأصليين والمقيمين الشرعيين، كونهم هم أنفسهم يطالبون بذلك عندما يكونون في بلد أجنبيّ. لقد ولّى زمن العصبيات وحلّ محلّه زمن تتعايش فيه الثقافات والأديان في مجتمع واحد.
إنّ من السّهل إيجاد ما ندحض به ما اقترحناه هنا إذا رجعنا إلى القرآن والحديث الشريف. فهناك عدة آيات قرآنية وآثار أخرى تدعو إلى عكس ما ندافع عنه في هذا المقال. وتلك من أكبر معضلات الفكر الإسلامي، إذ بالإمكان تأييد موقف وضده، والحكم على سياسة ما بأنها رشيدة ومعارضتها، وذلك استنادا إلى نفس المصادر. و العلماء يرون في هذا الإختلاف “رحمة” وبركة من السماء، والحقيقة أنّ ذلك ليس إلاّ مصدرا للشقاق والفرقة عندما يتطلب الأمر الإتفاق بالإجماع على تطبيق رأي في مسألة من المسائل الجوهرية. و لو أنّ القرآن فُهِم فهما ظاهريا كما يفعل العلماء في كثير من المواضيع لما تجاوز الإسلام حدود مكة المكرمة بناءً على الآية الكريمة: ” وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ “(الأنعام، الترتيب الزمني 55، الترتيب الحالي6، الآية 92.)
إنّ تغيير نظرتنا إلى غيرنا يتطلّب تغيير نظرتنا إلى أنفسنا أوّلاً. وعندئذٍ تتغير نظرة غيرنا إلينا. فبدون إصلاحات عميقة وصارمة في البنية الفكرية للحضارة الإسلامية القديمة، ستبقى هذه الأخيرة تجترّ القديم إلى قيام الساعة، واثقة بنفسها و بموروثها الفقهي وبما تحمله من حقيقة حول الكون، كما كانت في بداية ظهورها، وهي في حاضرها تعيش على أفكار قديمة إذ أنّ أحدث تلك الأفكار يعود إلى عشرة قرون من الزمن. إنّ السلف كان لهم الفضل في بذل مجهود جبار وإعداد تفسير عجيب في منطقه اعتمادا على مستوى المعرفة في عصرهم. لكنّ هذه المعرفة تغيّرت وجاءت مكانها معرفة جديدة ابتداءً من القرن الماضي على الخصوص، وهو مستوى من المعرفة لم يتولّدْ عنه تفسير جديد يتطلبه عصرنا.
إنّ إصلاح الإسلام يعني تجديد المعرفة والتأويل اللّذيْن بُنِيَ عليهما، ولا بدّ أن تنجرّ عن ذلك تحوّلات في طريقة النظر والتفكير لدى النُّخَبِ الدينية، وفي عقلية الجماهير ومحتوى التعليم: وهذا يدعو إلى العمل على عدّة جبهات، وهو عمل يستلزم عشرات السنين ابتداء من وقت انطلاقه. إنّ مستقبل المسلمين في المحافل الدولية مرهون بكيفية تعاملهم مع مشكلة إصلاح نظرتهم إلى العالم. لقد أصبح لزاما عليهم أن يُغيِّروا أنفسهم بأنفسهم، بعبقريتهم الخاصة، وذلك بالتكيف مع مقتضيات العصر وبواسطة مواردهم الثقافية التي لا تزال نقيّة… وإلاّ فإنهم سيُواجهون ظروفا يصيبهم فيها صغار وخزي من جديد. إنّ عليهم أن يتموقعوا، بمحض إرادتهم، في المجموعة العالمية المتواصلة

  Continuum Universel  ، قبل أن يوضعوا فيها رغما عنهم أو أن يصيروا تُبَّعا للأمم الأخرى. والله أعلم.

هذا حال امتنا…

بقلم: نور الدين بوكروح
ترجمة :نورة بوزيدة
” يعد الله للمجتمعات مستقبلا مستقرا وأكثر هدوءا، وان كنت اجهل مقاصده واعجز عن إدراكها، لكنني لن أتخلى عن إيماني بها. وأفضل الشك في بصيرتي بدل الشك في عدله”. (ألكسيس دو توكفيل)
كم كان بود الشعب الجزائري أن يغمره التفاؤل الذي ينبعث من أقوال صاحب هذه الأسطر، هذا الشعب الذي يرى مستقبله يتزعزع كل يوم أكثر، ويرى الأمان يفلت منه مع تعاقب الجماعات المسيرة للبلاد. كيف يمكنه ذلك وهو الذي ينظر إلى مستقبل مسيريه وهو يزدهر، بينما تغشى الظلمة مستقبله طالما هو تحت قيادتهم.
لقد عاش 80 مليار إنسان على وجه الأرض منذ أن ظهر النوع البشري، مات منهم 75 مليار، ومازال حوالي 5 ملايير على قيد الحياة، من بينهم 30 مليون جزائري. هل خلق الله كل هذه المخلوقات الواحدة تلو الأخرى وقد تكلف بإمداد كل واحدة ببرنامجها الخاص على انفراد، أم انه اكتفى بخلق الأنواع، ومن بينها النوع البشري ثم سلم أمرها لضرورة الاصطفاء الطبيعي وتقلبات السياسة عبر الأزمنة الجيولوجية؟ هل هو الذي صنف الأمم، وسهر على أقدارها في أدق أمورها؟ وجعل بعض شعوبها صماء يقودها مسيرون عميان، والأُخرى يقظة متفطنة يقودها مسيرون مستنيرون؟ أم انه ترك الإنسانية وشأنها بمجرد أن أخرجها من الجنة، اللهم إلا في تلك الفترات التي آلى على نفسه أن يبعث فيها أنبياء وحكماء.
وشعبنا الذي يتميز بتدينه العميق والبسيط الى حد السذاجة، يكون قد طرح على نفسه، وعلى طريقته الخاصة، هذه الأسئلة. نعم، هل الله هو الذي كتب علينا كل هذه الآلام التي نعاني منها؟ هل هو الذي اوجب علينا المأساة التي نعيشها منذ عشر سنوات؟ وهل هو الذي قضى ان نعيش الى الأبد رازحين تحت أغلال الرداءة والظلم والبؤس الأخلاقي. أم أننا فقط نتاج تاريخنا المضطرب وضحايا أبديين لقادتنا؟
الجزائر في العالم هي 1,7 من الأراضي، 0,6 تقريبا من سكانه، وهي مصنفة في المرتبة 11 بمساحتها وفي المرتبة 33 من حيث عدد سكانها. لكنها، من حيث إنتاجها المحلي الخام، فهي تتواجد في المرتبة 75! جد بعيدة خلف تونس والأردن ولبنان وناميبيا وجزر السيشل، وبلدان صغيرة كثيرة غير منتجة للبترول، وسوف تتقهقر أكثر عندما ينتهي اويحي من تطبيق سياسته.
نحن نعيش في بلاد لم تبن فيها عمارة واحدة محترمة، والناس فيها يظهرون وكأنهم في حداد دائم. وتبدو علامات التعب على وجوههم المرهقة وأفواههم قد تعرت من أسنانها ونظراتهم حائرة. نحن نعيش في بلاد كل شوارعها محفورة وممزقة، وجوها مشحون على الدوام بالخوف و “الغمة”، وكأنها على شفى حفرة من فاجعة تُبشر بها. ومن أين أتى ذلك الإحساس المتفشي بين الناس بأنهم لا قيمة لهم، ولا أهمية، ولا يحسب لهم اي حساب، أي أنهم “ما يسواوش”؟ وبان لا احد يمكنه ان يغير مجرى الأشياء وتحسين الوضع؟ ومن اين تسلل ذلك اليقين الى النفوس بان كل شيء سيتأزم أكثر وسيسوء ولن يتغير؟ وبان حظنا تعيس دائما؟
لقد أصبحت بلادنا “دلالة” كبيرة، وسوقا للسلع البالية في الهواء الطلق حيث يتجول البطالون والمسرحون، جيوبهم ونفوسهم شاغرة. وعن قريب سينضم إليهم الذي أسيء تعريبهم. لقد شاهدنا مؤخرا في التلفزيون جاكارتا وهي عرضة لأعمال الشغب: كم كانت جميلة تلك الشوارع العريضة المحفوفة بالأشجار، وتلك المباني العصرية، وتلك المساحات التجارية، وتلك الشبيبة الطلابية الثائرة… فهمنا أن حتى أسوء الدكتاتوريات في أسيا وأمريكا اللاتينية قد خدمت بلدانها وتركت انجازات عظيمة مثل الشيلي، أو المكسيك، أو كوريا الجنوبية. وحتى المافيا في ايطاليا وفي كولومبيا ساهمت في تشييد بلديهما.
لم تفتقر الجزائر في يوم ما إلى الوسائل والسواعد والأدمغة، لكنها كانت تفتقد إلى مسيرين أكفاء وأخلاقيات عامة. وهنا تكمن مصيبتها. وان كان هذا البلد يريد الإرساء في ميناء الألفية القادمة، عليه أن يوق بثورة نوفمبر أخلاقية. ويجب أن تظهر “مجموعة 22” جديدة وتتصدى لسياسة البرغثة والرعاعة التي تغلغلت خفية إلى البلاد. لقد استرجع الجزائريون أرضهم بفضل أول نوفمبر 1954، وعليهم أن يسترجعوا بعد هذا مواطنتهم.
إن الرجال والنساء الذين تدفعهم العزيمة والإرادة، وقوات الأمن، والأحزاب السياسية المخلصة للمصلحة العامة، كانوا يحسبون أنهم يتفانون ويعملون لصالح البلاد. غير أنهم اليوم اكتشفوا أن تضحياتهم لم تكن في سبيل قضية سامية كما كانوا يظنون، بل تم تقديمهم قربانا لقضية غير عادلة. هل مات كل من مات منذ أكتوبر 1988 من اجل أن يتقاسم مجموعة أفراد الفيلات من جديد، وان يحتكروا الاستيراد؟ هل من اجل أن يسيطر هؤلاء الأشخاص على دواليب الدولة وينتفعوا ويغنموا من الإرهاب؟ هل من اجل أن تستولي شريحة من الشعب على رموز الثورة وعلى الامتيازات؟ ومن اجل أن يفرضوا قوانين تعسفية وسيئة ويضربوا بالقوانين الجديدة عرض الحائط؟ ومن اجل أن يرضى الأشخاص أقربائهم ولو أدى ذلك الى إيذاء شعب باكمله؟
على هذه الأمة أن تمتحن ضميرها، ان تُسائله، ان تخوض إصلاحها الأخلاقي. فلا يمكننا ان نمضي الى الامام ونحن نرتكز على مؤسسات مغشوشة وعلى اشخاص مجهولين يزج بهم الى صدارة المسؤولية ليدبروا لنا ضياعنا الأكيد، وعلى جحافل الجراد القاتلة التي جندت أسرابا قبل ان تطلق على رؤوسنا…وإلا، فعلى هذه الامة ان تغير دينها. ولتعتنق البوذية مثلا، لان هذا الدين على الاقل، يقبل الفقر والشر والألم ويحسبهم قدر كل إنسان على وجه الأرض. اما ديننا الإسلام، فهو يطالبنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واقامة العدل، والتمتع بنعم الله في الأرض… فبينما كان بوذا ذات يوم غارقا في تأملاته تحت شجرة التين (اكثر الأشجار انتشارا في الجزائر)، بانت له الحقيقة الساطعة: الحياة الم، والشهوة الم، والمصير الم… ولذا، قام بوذا، الذي كان يبلغ من العمر 29 سنة فقط، بترك زوجته وبيته وعمله، وحلق رأسه، وارتدى إزارا خفيفا، وسار في الطرقات يبشر الناس بسر الخلاص: الزهد في كل شيء!.
ان المجتمع يترك نفسه يسقط أسير شبكة عنكبوت كبيرة تحيكها العشائرية والمصالح الشخصية. لكن عليه ان يمزقها ويتخلص منها والا خنقته وكمدت أنفاسه. ان احتقار الشعب والرأي العام ينبغي ان يكف، والعوائق دون حرية التعبير لا بد ان تتوقف. يجب ان نعلن رفضنا المطلق للرعاعة وإدانتها. ليس بالإرهاب فحسب نعبر عن أنفسنا، وليس بالرصاص والسكاكين فقط نسمع صوتنا. فالإدانة والتنديد والاحتجاج بالكلمة والقلم قد يكفيان. فالقوة المعنوية وحدها قادرة على الانتصاب في وجه الظلم وإيقاف التعسف.
لقد نهشت الرشوة، صغيرة كانت او كبيرة البلاد من أعلاها الى أسفلها. لقد عششت في المصالح العمومية والإدارة والقطاع البنكي… وعن قريب لن يتمكن احد من التنفس او من القيام بإجراء الا وفرض عليه ان “يدفع تحت الطاولة”، او “يرشي” ولي نعمته. والمثال يأتينا من فوق حيث الأقوياء وأصدقاء الأقوياء. وإطارات الدولة الذين رفضوا الحذر عن نزاهة وامتثالا للأوامر، ورفضوا الدخول في عمليات مشبوهة، او حتى اعترضوا طريق “السيد استيراد- استيراد” زُجّ بهم في السجون.
ليس امرا سيئا ان يحاط المسؤولون بمساعدين اصدقاء، بالعكس. لكن، عندما تقتصر “كفاءة” هؤلاء المساعدين على هذه الصفة (الصداقة)، وعندما تتعسف بها بغرض الاستحواذ على الاملاك العمومية، وبقصد استمالة أصحاب القرار الاقتصادي لهم كلما احتاجوا ذلك، هنا تتحول الصداقة الى جريمة. نريد هنا ان نزيل غموضا وان نتخلص من سوء فهم. يميل المسؤولون الذين تذكر أسماءهم، ويوجه لهم الانتقاد وتحدد مسؤوليتهم الى الغضب. هذا امر طبيعي. لكن الشيء الغير طبيعي في الأمر هو تفكيرهم بأننا نقتحم ممتلكاتهم وندوس عليها بأرجلنا، وبأننا نحقد عليهم بصفة شخصية. وبأننا نتدخل فيما لا يعنينا. لكن نحن في الحقيقة لا نفعل غير التدخل في شؤوننا. هذا مستقبل أولادنا ووطننا…
لقد تشجعت المافيا السياسية والمالية في ظل الارهاب الذي يحبس الأمة، وتحت تهديد الموت التي تحوم فوق الرؤوس وتجول في كل مكان وتضرب من شاءت متى شاءت. ففي بعض الأحيان، لا تحتاج هذه المافيا الى القتل للتخلص من اعدائها. فهي متوكلة في ذلك على الخوف الذي اعترى النفوس والمراقبة الذاتية والرشوة حتى تشد الألسنة وتحد من حماسة من تسول له نفسه الاعتراض والرفض.
ان الحلم هو ما لم يتحقق بعد ، لكن قد يصير واقعا في يوم من الأيام. انه الحقيقة التي نراها في العالم الذي يحيط بنا، وفي المجتمعات “العادية” : في المجتمعات المبنية على العمل والثقافة والقانون والسلم، في المجتمعات التي تكون فيها الانتخابات حقيقية، وفي المجتمعات التي ان شكت في نزاهة مسؤول طاردته بقانونها على الفور.
المثل الشعبي الذي يقول “خلطها تصفى” وجد لنفسه تاكيد علميا من خلال النظرية الفلكية الكبيرة التي قدمها صاحب جائزة نوبل، ايليا بريقوجين (Ilya Prigogine) ، الذي يؤكد في كتابه “الزمن والأبدية” انه من السديم ينبثق النظام – المعجزة. نحن في الجزائر نعيش الفوضى والسديم منذ عدة سنوات. لكن النظام طال انتظاره.
ان نقبل الوضع الحالي معناه ان نرضخ لما يقوله لنا هؤلاء: دعونا نقسم الأمة الى “أسرة ثورية” وباقي الشعب، دعونا نضع رجالنا في اكبر عدد من المناصب دون التفوه باعتراض، دعونا نفقركم ونجوعكم، اعلموا ما نقترفه لكن التزموا الصمت، وانتم… انتم “دبروا راسكم”.
غداة الاستقلال، كانت بلادنا تشبه مملكة العميان يسيرهم أناس عوّر. هذا ما كان عين المنطق. لكن، منذ ذلك الوقت، خرجت أجيال متبصرة الى نور الدنيا، ولم تفهم كيف يستمر هؤلاء العور في قيادتهم، وهم الذين اصبحوا مع مرور الزمن لا يبصرون الا القليل القليل.
بالرغم من مشاكله، يحتفي العالم ويهيأ لاستقبال العام الألفين. ونحن نعيش هذه الأيام وقائع كاس العالم. فالجزائريون يساندون بحماس الفرق الافريقية والعربية، لكنهم لم يمتلكوا انفسهم من الشعور بمرارة لانهم راوا انه حتى في هذا المجال، هم متواجدون في المؤخرة، فحال كرة القدم الجزائرية من حال شركة الطيران الوطنية. وفي الجزائر العاصمة، يكافح النواب بكل شجاعة من اجل الاحتفاظ باستقلاليتهم. في الايام الماضية، سمعناهم يتحدثون في التلفزيون بصوت واحد ان مشاريع القوانين التي تعرض عليهم تعود الى حيث أتت كما جاءت، ولا فاصلة واحدة تغير مكانها. كانوا في الحقيقة يريدون القول انهم لا يصلحون لشيء. وقد أقنعونا بذلك. فلماذا كل هذا الضجيج يا ترى؟
بعد 18 شهرا من الآن، يجب علينا تكييف نظامنا المعلوماتي الوطني كله من اجل المرور الى العام 2000، وإلا توقفت كل أنظمة التسيير مرة واحدة: تنقطع خدمات الصكوك البريدية، الهاتف، الخدمات العمومية… فهل يتم التحضير لهذا الموعد، والأمر مستعجل؟ أم ان المسؤولين ينتظرون فوات الأوان لكي يبدؤوا “عملهم” في رمي المسؤولية على بعضهم البعض؟ ونظن أن غلطة كهذه قد تكون عود الثقاب الذي سيشعل الفتيل.
الصينيون يشيدون فندق شيراطون في موريتي، وحسب ما سمعناه، يقال انه سيحتوي على 1000 سرير، بغرض احتضان القمة الإفريقية المقبلة التي لا فائدة منها في الحقيقة. فما هي تكلفة هذا الفندق يا ترى؟ اكثر من ألف مليار سنتيم…نعم، وكل “التكاليف” محسوبة! ما هي فترة انجازه يا ترى؟ 18 شهرا فقط! لا يملك الجزائريون لا الميترو ولا محطة مركزية للقطار ولا مطار دولي منذ الاستقلال. لكن الحكومة لم تقدر على توفير مبلغ كهذا للتخفيف عن معاناتهم اليومية، لانها منشغلة بأمور السياسة السامية: توزيع “الحقائب” الوزارية بين الإسلاميين التائبين والطفيليين والوصوليين، وهي منشغلة بتحضير نوع جديد من التمييز العنصري بين الجزائريين، وهي منشغلة بالتحضير الجدي للاحتفال بالذكرى العاشرة لأحداث أكتوبر 88 … هكذا تسير الأمور في بلاد مبصرين سلاطينهم عور.

)الخبر 17 جوان 1998-الوطن 16 جوان 1998)

ضاع الشرف… يا بني أمتي

بقلم :نور الدين بوكروح
ترجمة: نورة بوزيدة

أرواحكم تنتفض في مقابض الكهان والمشعوذين، وأجسادكم ترتجف بين أنياب الطغاة والسفاحين…فماذا ترجون من وقوفكم أمام وجه الشمس؟”
                                                                                                                                        جبران خليل جبران

ليس الجزائريون بحاجة إلى عقد اجتماعي واقتصادي فورا، رغم أن بطونهم تتلوى جوعا، لكن هم في أمس الحاجة إلى عقد أخلاقي لان أرواحهم للعدل ضمآى. إن الحديث اليومي للمواطن، يسري على الدوام حول موضوع لا ينضب: انه بعث الأخلاق في الحياة العمومية والدولة. إن للروح والأخلاق في الذهنية الجزائرية نصيبا أكثر من المادة. وفي إحدى أمثالهم الشعبية، يقولون: ” نعيش نهار سردوك، ولا ألف سنة جاجة”. إن الجزائريين مستعدون للسير حفاة عند الضرورة، ولتحمل الجوع والبرد إن اقتضى الأمر. لكنهم لا يقدمون على هذه التضحيات إلا عندما يشعرون حقا أنهم يعيشون في كنف دولة يطبق قانونها العادل على الجميع، حيث الثقة تامة والوئام كامل بين الشعب وحكامه، وحيث تتقاسم الأفراح و الأقراح.
إن شعبا مثل هذا بالتأكيد لا تخضعه القوة، ولا يخدعه الغش والكذب. لكنه يقاد بالقدوة والإقناع. أعطوه القدوة، يعطيكم القميص الذي يرتديه. اغرسوا فيه كلمة طيبة، تنالون منه الإجلال والتقدير. أقسطوه في التوزيع، يتخلى لكم عن نصيبه. ضعوا له أكثر القوانين صرامة، يخضع لها بثبات وعزم اذا علم أنها مشتركة وعامة، تسري على الجميع ولا تستثني أحدا. هذا هو الشعب الجزائري! هذا هو الشعب الذي ترك في التاريخ بصمات العزة والشرف مضيئة مثل اللهب الذي يتركه في دربه مذنب هالي.
قبل ألفي عام، قال سالوست، المؤرخ الذي كان في نفس الوقت حاكم نوميديا عندما كانت ترزح تحت الاحتلال الروماني: “ لا يمكن تقييد النومديين لا بتخويفهم ولا بالإحسان إليهم “. لكن هل يوجد اليوم ما يبرر مثل هذا الاعتراف بعزة النفس لدى الجزائريين، وقد أغرقنا وابل الخوف والرعاعة مقترنين، كما اغرق الطوفان بلاد سومر في عهد سيدنا نوح عليه السلام؟
لقد كان الجزائريون في كل مرة يفقدون شرفهم ويستعيدونه خلال تاريخهم المضطرب. هكذا تكون الجزائر أول بلد يعرف الاستعمار في العالم العربي الإسلامي، وأخر من تحرر من قيوده. ففي سنة 1830، سلمت السلطة أيالة الجزائر للعدو بعد واحد وعشرين يوما فقط من المقاومة. أما في سنة 1954، كان اجتماع واحد وعشرين شابا في بيت الثاني والعشرين كافيا لتحريك القاطرة التي أدَت بالجزائريين في النهاية إلى استعادة شرفهم. غير أننا في المجموع، نكون قد قضينا بالتقريب ألفية من بين اثنتين من تاريخ هذا البلد تحت نير الاحتلال.
لقد خضعت كل البلدان للاستعمار لسببين اثنين هما الاستدانة الخارجية و الانقسامات الداخلية. ونحن في الجزائر، نعيش اليوم خطر هاتين الآفتين حيث اننا نحمل عبئ ديون خارجية ثقيلة وضعتنا في قبضة صندوق النقد الدولي، بينما الإيديولوجيات التي عملت السلطة والأحزاب على بثها تدريجيا في أوساط المجتمع، ضربت وحدتنا وأحدثت فيها شرخا، ونسمع أصواتا تتعالى من الداخل والخارج وتنادي بالتدخل الأجنبي. وان لم نحذر، فإننا سنبكي يوما مثل النساء ما لم نعرف المحافظة عليه مثل الرجال، كما جاء في مقولة مشهورة لأم عندما سالت دموع ابنها الأمير لفقدان مملكته.
و الدولة الجزائرية لم تعرف كيف تمنع تشكيل جيش حقيقي من الإرهابيين، كما لم تستطع القضاء على بقاياه بعد ست سنوات من تجنيد كل طاقات الأمة. إن التيار الإسلامي الذي أنجب الإرهاب لم يعد يشكل خيارا مستقبليا، لكنه ترك مخلفات فتاكة وكأنها حقل ألغام ضد الأشخاص. لقد تكسر هذا التيار إلى قسمين: القسم الأول منه في طريقه إلى الاضمحلال، أما القسم الثاني، فقد تاب وعاد أدراجه، وهو مدين بطول حياته للسلطة التي آوته في مؤسساتها. لقد التحق موكب “ديوان الصالحين” القديم، بموكب المشعوذين الجدد، وشكلا معا طوق الرعاعة الذي سيخنق البلاد.
لكن، ما هي الرعاعة يا ترى؟ هي أن لا نؤمن بشيء ونتظاهر بعمق إيماننا به نفاقا واحتيالا، هي أن نعلم أن شيئا غير طبيعي ونتعامل معه وكأنه جد عادي لمأرب خبيثة، هي ان نصر على أن الامور على ما يرام حين ينال الاعوجاج كل شيء قصد نيل منافع خاصة، هي ان نتعمد إخفاء الحقيقة خوفا، وطمعا في رشوة، هي أن نضرب القوانين عرض الحائط دون ان نخشى من العقاب، هي أن نزور نتائج الانتخابات للتمكين لمناصرينا..
والرعاعة هي وضع أشخاص في مناصب ليسوا أهلا لها، والرعاعة هي عدم الوفاء بالعهد وخيانته، والرعاعة هي إسكات الضمائر وشراء الوفاء بثمن زهيد.
والرعاعة إذا انقضت على امة أهلكتها، وأفقدتها شرفها. إن الدولة تفقد شرفها عندما تتستر على ممارسات تخالف القانون والأخلاق، وعندما تنحاز عدالتها، وعندما يستغل ممثلوها مواقعهم من اجل الثراء. إن الإدارة تفقد شرفها عندما تحيد عن مهمتها العمومية وتصبح جهازا بين مخالب المصالح السياسية والاقتصادية لجبابرة زمانهم. اعكسوا هذا كله، تجدون الشرف. فشرف الدولة هو وضع القوانين وتطبيقها بصرامة، وشرف الدولة هو ان تكون في خدمة المواطنين بدل ان تثقل كاهلهم.
والشعب يفقد شرفه عندما ينصرف كل واحد من أفراده في حالة من الفوضى للبحث عن مصالحه الخاصة، وعندما يلقن الجميع “العفسات” و”القفازة” ويحفظها ويكررها وكأنها منافذ نجدة. إن الحلول “الشخصية” التي نطبقها في حياتنا اليومية هي بالضرورة سيئة ومضرة. قد تنقذ أفرادا، لكنها ستجهز على كيان الأمة. قد تليق بجيل واحد، لكنها ستؤذي الأجيال القادمة. إن العفسات والنكت والنصائح التي ورثناها عن جحا تتنافى وروح مجتمع عصري، ولا تليق به. بل هي سلوك انتحاري، يمس المصلحة العامة.
ربما تذرعنا في سلوكنا هذا بنقائص الدولة وعيوبها. لكنه رب عذر أقبح من ذنب! لقد أضحى من الضروري التخلي عن مثل هذه السلوكيات، والتحلي بسلوك اجتماعي سليم وجماعي. فشرف شعب هو القيام بواجبه المدني، وتسديد ضرائبه، والعمل بجد ونزاهة، ورفض الرشوة، والتنديد بالظلم والتعسف دون اللجوء إلى العنف والهدم.
إن النخب تفقد شرفها عندما تعرف الحقيقة لكنها تلتزم الصمت. وعندما لا تحتج عندما تنتهك الأخلاق العمومية، وعندما تشهد أعينها الباطل لكن رؤوسها تنحني خوفا، فشرف النخب هو تنوير الشعب وتوجيهه لتكوين حكمه على الأشياء، وترسيخ الحس المدني فيه، وهو في اخذ الرِيادة عندما يتجلى بوضوح أن الاحتجاج قصد تصحيح الاعوجاج في المجتمع، أصبح ضرورة وواجبا تاريخيين.
لقد واجه الشعب الجزائري الأزمة بكل شرف، وقام بواجبه كاملا غير منقوص. لقد تسلح عندما مدت له الاسلحة من اجل الدفاع عن حياته ووطنه. لقد انتخب بقوة. لكنه اليوم يتساءل لما كل هذه الجهود والتضحيات؟ لكن كرامته مازالت حية ولم تستسلم للامبالاة واليأس، وقد رأينا كيف رفض مؤخرا نظام تعويضات النواب وحكم عليه باللا أخلاقي. تحدث الأحزاب الشعب عن الإيديولوجيات والاقتصاد، بينما يريد هو أن يسمع حديثهم حول بعث الأخلاق في دولته، وعن النزاهة والصدق والكفاءة. وما إن التحقت هذه الأحزاب بمؤسسات الدولة، حتى أصبحت تضاهي السلطة، وتجري وراء الغنائم و الامتيازات.
وفهمنا ان هدفها لم يكن تغيير السلطة، بل الحلول محلها فقط. وقد سمعنا قبل مدة احد ممثليهم “يشتكي” في التلفزيون: “ليس النائب نقابيا، وليست مهمته استقبال الشكاوى” يبدو ان هذا السيد يريد الراتب والراحة معا..لا غير.
وانتم، يا أبطال ثورة نوفمبر، هل ستتركون كفاحكم يتلطخ، وتشوه ذكراه؟ هل سترحلون عن هذه الدنيا، والحياة فانية، دون أن تكشفوا عن الحقيقة لشعبكم؟ دون شهادة حق؟ انتم، يا من جاهدتم حقا، انتم من مازالت أجسادكم تحمل أثار الكفاح والجراح، هل انتم فخورون بحال أمتكم؟ هل سترحلون عنها وتتركونها جريحة؟ هل حررتم هذا البلد لكي تلقوا به في براثن الرعاعة؟ إن الرجل ليس من قام بدور بطولي مرة في حياته، واكتفى. فلا يُقيم الرجل بما قدم في فترة من حياته، بل لما يقوم به طوال حياته. لقد هجرت روح التاريخ أجساد معظمكم، وبعضكم حتى اصطادته شباك الرفاهية، وأغمضت عينيه ملذات حياة فانية، فأصابكم العمى والصم.
وانتم، أيها الجنرالات ذوو السلطة والنفوذ، الم تسمعوا بأن البلاد على حافة اليأس. إلا تعلمون  أن الإرهاب الذي يأخذ كل وقتكم وجهدكم إنما سيندثر من تلقاء نفسه عندما تسترجع الأخلاق مكانها في الحياة العمومية، وعندما “تسلط” العدالة على الجميع، وعندما تبعث سياسة سليمة تنفع المجتمع برمته؟ ألا تعلموا انه بدون هذا كله، لن يتوقف الإرهاب؟
وانتم، أيها القضاة، “جنود العدالة”، كيف تقبلون ان توضع مهمتكم النبيلة في خدمة الأقوياء لاضطهاد الحريات حتى و إن حدث ذلك مرة واحدة؟ وكيف تدعون الأحكام التي تصدرونها باسم الشعب الجزائري بدون تنفيذ؟ لمن يلجأ إذن الضعفاء والأرامل واليتامى، اذا تخليتم عنهن انتم، يا “أصحاب العدالة” ؟
أما انتم، أيها الزعماء الإسلاميين الذين سحرتم أبناء هذه الأمة، ورميتم بهم في جحيم الإرهاب، انتم الذين تقصدون الكعبة كل مرة “تغسلون” فيها عظامكم…وضمائركم، انتم الذين تموهون بحديثكم عن “الحقرة” وتمكرون بالسذج…ان الله خير الماكرين..
وانتم، ايها المثقفون والمجتمع المدني والصحافيون، الى متى ستتركون بلاد يوغرطة والأمير وبن بولعيد وحسيبة، تتبع قوافل النساك المزيفين، و “ديوان الصالحين” ؟ اي سحابة كثيفة هذه التي حجبت أنواركم عن هذا الشعب، وحرمته من حرارة أشعتكم؟ متى العزم على دق اجراس الخطر وكسر الطابوهات؟ قولوا لنا متى ستحررون عبقرية هذه الأمة؟
وأنتِ أيتها الجمعيات ونقابات القضاة والمحامين والأطباء؟ الم تجتمعوا سوى للدفاع عن حقوق أعضاء مهنتكم؟ هل ستغضون أبصاركم طويلا أمام الاِهانات التي انتهكت شرف مهامكم؟ ان المجتمع كيان كامل وموحد، انه كل، وليس مجرد مصالح وهيئات متفرقة ومعزولة عن بعضها البعض، لا تهب الواحدة منها إلا اذا مسها الضرر مباشرة. وفي بعض الأحيان قد تكفي كلمة حق، وشهادة حق، وموقف شجاع لإنقاذ شرف امة بأكملها.
نحن نمضي أوقاتنا ونلهي عزتنا بذكريات الماضي وانجازات أسلافنا التي نعجز الإتيان بمثلها اليوم: فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم، الفوز على ألمانيا في كأس العالم، تحرير الرهائن الاميريكين… ونعيد بث أفلامنا القديمة، بمناسبة وبغير مناسبة: “معركة الجزائر”، “العفيون والعصا”، “المفتش الطاهر”… هذا في الوقت الذي تغلب فيه علينا المغرب في قضية الصحراء الغربية – وهذا على سبيل المثال فقط – : فاز بالفريسة، و “غنمنا” نحن بخيالها. والعجيب في الأمر هو ان خيال الفريسة كلف أكثر من كسب الفريسة بشحمها ولحمها. واخطر من ذلك هو ان هذه الذكريات أصبحت سببا في عجزنا وعقمنا الحاليين، لأنها حالت دون تكوين الخلف، فاصيب تاريخنا بالانسداد. نحن مازلنا نعيش بنفس الجيل الذي اتضحت عدم كفاءته منذ زمن طويل… نحن نُسير برجال منتهيي الصلاحية يُعاد “ترميمهم”!
إن الأمة التي تسكت على المنكر، والأمة التي تعلم بالاعوجاج لكنها لا تتجرا على الجهر به، تكون السفالة مصيرها، والحضيض قدرها. قبل ان يموت، قال الطاهر جاووت: “من قال مات، ومن لم يقل مات ايضا. اذن، لنقل ولنمت بعد ذلك“. إذا بقت فينا قطرة شرف.
إن السلطة ولدت صغارها الذين لا يمتلكون أنفسهم شغفا في وراثتها. إنهم قادرون على فرض بوكاسا (BOKASSA) آخر علينا في يوم من الأيام. لقد استسلم الحياء والنزاهة تحت هجمات الوقاحة والرذيلة. لقد اجبر الرجل المستقيم على السير خفية، وعلى الهمس بدل الكلام، وعلى الكدح من اجل البقاء. وان لم تبق امامنا سوى 18 شهرا قبل الدخول في الألفية الجديدة، فنحن سنبقى نعيش في البلد نفسه وبالشعب ذاته. وان كنا بالأمس فقط في حداد، فان الأمل أصبح اليوم يسري في نفوسنا، وقد امتلأت افئدتنا بفيض روحي، وهبت ريح الاخلاق في أشرعة بلادنا…المذنبون يرتعدون، والأبرياء يأملون…إنها السنوات والمواعيد والتواريخ تتوالى: اكتوبر 1988، ديسمبر 1991، نوفمبر 1995، جوان 1997،… لكن باءت كل هذه المحاولات بالفشل، والجزائر تهدر وقتها… ودم ابنائها.
إننا شعب فتي وكله شباب، التحق مؤخرا بشؤون الدولة، ولم يعرف بعد التنضيد الاجتماعي اما وحدتنا المعنوية، فهي لم تترسخ بما فيه الكفاية لكي لا تزعزعها الإيديولوجيات، وتسيل عليها كالماء على أجنحة الطير. الأكيد انه بعد ثلاثين سنة، سينفذ البترول، لكن ديوننا قد تبقى. إن الوقت الذي بحوزتنا إذن ضيق جدا لبناء دولة قانون حقيقية، واقتصاد متحرر من ديونه، وقادر على تلبية حاجيات الجزائريين مع ضمان كرامتهم، ومجتمع متجانس ومتماسك لا يفرقه المشعوذون ولا يغرونه.
نحن بحاجة إلى طاقة أخلاقية جبارة لكي ننسلخ من الخساسة التي نغرق فيها كل يوم أكثر. نحن بحاجة الى قوة مثل التي يستلزمها إقلاع صاروخ في الفضاء، سرعة الانطلاق الضرورية للتغلب على الجاذبية…الأرضية.
تبدو الجزائر في أحسن حال لمن يراها من فوق، لكن من يعيشها من “الداخل”، يعرف أنها في أسوأ حالتها. انها تغلي، وشعبها يزمجر غضبا.
إنها في غنى عن عنف جديد يقضي عليها. ان تدميرا جديدا لبلادنا معناه أن الشرف ضاع منا إلى الأبد…يا بني أمتي!

نشر في جريدة الخبر: 04 اوت 1998-في الوطن 30 جوان 
1998


كيف عرفت مالك بن نبي

بقلم: نور الدين بوكروح
ترجمة:س.عايـــدة
رأيتُ  و سمعت اسم مالك بن نبي لأول مرة  في حياتي خلال  شهر ديسمبر من سنة   1968 في قاعة محاضرات  ثانوية عمارة رشيد بالعاصمة (بن عكنون) ، حيث افتُتحت  لأول مرة أشغال” الملتقى لتعريف الفكر الإسلامي” في جوّ لم يكن يوحي على الإطلاق بالنجاح الذي قُدّر له حيث امتد لأكثر من ربع قرن.
نفس الأمر كان بالنسبة لي، حيث لم أكن أشك لحظة واحدة أن هذا اليوم سيكون بمثابة “الختم على مصيري”. فحضوري في ذلك المكان والزمان لم يكن بإرادتي الشخصية بل تنفيذا لأمر والدي الذي كان قد علم  بتنظيم هذا الملتقى من خلال إعلان نشرته الصحافة، فأصرّ أن نحضر، أنا و أختي ، المحاضرات المعلن عنها، وخضعتُ لطلبه مرغما.
في ذلك الوقت، كانت الإيديولوجية السائدة و المهيمنة في الجزائر هي “التقدمية”، بمعنى آخر “الماركسية” أو بعبارة أوضح “الشيوعية”. بعد النجاح الذري و الفضائي الذي حققه الاتحاد السوفياتي و الصين، كانت الاشتراكية في أوج عزها، وكانت بلدان  مثل الجزائر تعيش هذه المآثر و كأنها مآثرها الخاصة،  معتقدة بكل سذاجة أنه سيتم نقلها إليها على اعتبار أنها تبنت نفس النظام السياسي و الاقتصادي و الأيديولوجي .
فيما يخصني، لم أشعر يوما بالارتياح لمجرد احتكاكي بهذه الإيديولوجية وعلى الرغم من الفرص المتعددة التي أُتيحت لي كي أتبناها ،إلاّ أن الرفض كان موقفي الثابت. تولد نفوري هذا، والذي كان شبه فطريٍّ، من أني كنت أحس بوضوح أنّ هذه الإيديولوجية تفرض مسلمة طمس أسس الشخصية الجزائرية. لكن ما الذي يجب أن يواجهها؟ الإسلام لم يكن آنذاك يملك أي حظوة لا عند الشعب و لا عند النخبة، وكنت في حالة من العجز الكامل في أن أتبين و أميّز بنفسي الجوانب المشرقة للإسلام و سلبيات المسلمين.
ما تبلور في نفسي شيئا فشيئا حتى صار بمثابة عداوة مطلقة  للماركسية لم يكن له أي مبرر إقتصادي، فقد كنت في سن مبكر حتى تكون لي “مصالح ” أو “وعي طبقي”. لم أكن أرى في هذه  الفكرة  فرصةً تاريخيّةً للتطور، بل خيانة : خيانة للماضي ، للثقافة ، للقيم الأخلاقية و الإجتماعية الوطنية. كما أني كنت أشعر أن هذه الفلسفة التي تصطدم مع البعد الأخلاقي الجزائري لن تتمكن من تحريك الجزائر العميقة.
فلم يكن من قبيل الصدفة أن يكون أول مقالٍ نُشر لي في الصحافة  في شهر نوفمبر1970   بعنوان “الإسلام و التقدمية” (1)، و لا أن يحتوي مقالي الثاني تحذيرا شديد اللهجة عن كتاب كان في طريقه للنشر، و نقدا لاذعا لصاحبه المستشرق  الفرنسي الماركسي ماكسيم  رودنسون (Maxime Rodinson) (2). سنتان قبل ذلك، كان أستاذي في مادة الفلسفة في ثانوية الأمير عبد القادر (العاصمة) حيث كنت أدرس في القسم النهائي،  يسعى جاهدا في أن يقدم لنا هذا الأخير على أنه “أفضل” مرجع لدراسة الإسلام.
بعد تلقيه الصفعة، رد ماكسيم رودنسون عليّ في أول فقرة  من كتابه الضخم الذي ظهر بضعة أشهر بعد ذلك (3).  بالرغم من ذلك،  أخبرني في يوم ما الفيلسوف المغربي محمد عزيز لحبابي ،و الذي كان يُدرّس في جامعة الجزائر و كنت أساعده على تصحيح  مسودة روايته ” أمل متشرد” (4)، عن رغبة المستشرق الفرنسي في التعرف عليّ و أنّه يدعوني لزيارته في باريس و على حسابه الخاص، الأمر الذي أعرضت عنه.
في الطور الثانوي  كان أستاذي في مادة الفلسفة على التوالي دانيال بوكمان في ثانوية ابن تومرت (بوفاريك )، وموريس طارق ماسكينو في الأمير عبد القادر. وكان الاثنان من الكتاب التقدميين المشهورين و الناشطين وارتبط كلاهما بقضية الثورة  الجزائرية، خاصة ماسكينو، الذي كان في شبابه بالقرب من جون–بول سارتر، ورفض أن يُجند تحت العلم الفرنسي و التحق بجبهة التحرير الوطني في المغرب ثم في تونس. بعد الإستقلال ، صار جزائريا بالسليقة، تزوج الكاتبة الشهيرة فضيلة مرابط ، و تفانى كلاهما في خدمة الجزائر في مجال التدريس ، الثقافة و الأدب ، النضال الذي يواصلانه إلى يومنا هذا(2016)  ،فالسيد ماسكينو ينشط عمودا أسبوعيا في جريدة وطنية، أمّا السيدة مرابط فتنشر كل سنة تقريبا كتابا جديدا.
في الوقت الذي كانت فيه علاقتي مع الأول و حتى النهاية علاقة تلميذ بأستاذه، كانت علاقتي بالثاني سيئة جدا، بسبب ما كنت ألمسه في آرائه من عداوة للدين.أربع و ثلاثون سنة بعد ذلك ،و تحديدا في أكتوبر 2003، جمعنا القدر مجددا و رمانا في حضن بعضنا البعض. بضعة شهور بعدها، نشر السيد ماسكينو كتابا في فرنسا استحضر  فيه خلافاتنا القديمة في تأثر بالغ قائلا:”كان يتبنى  (نورالدين بوكروح) أصولية لا تؤثر فيها أيّة حجة،وكان يعاند، فبدلا من كتابة مقاله الفلسفي ،يقوم بتحرير نداءات إيمانية، فينثر على العشر أو الخمس عشرة صفحة التي يقدمها لي، و للإنصاف فقد كانت مكتوبة بشكل جيد، آياتٍ قرآنية و أحاديث نبوية. كان يفعل ذلك بغرض استفزازي لأنه كان متأكدا من أن صبري سينفد بين لحظة وأخرى خلال جدالنا لأكرر على مسامعه ملاحظتي له و للمرة المائة أنه في قسم فلسفة لا في مسجد. فكان ينهي حديثه قائلا لي في نوبة ضحك جماعيّ صاخب وهو يهز كتفيه “لست سوى ملحد”، ثم يغرق في صمت يزعجني كثيرا، لكن بالرغم من أنه كان يضايقني إلا أني كنت أحبه”.    
واستنتج أستاذي في الفلسفة هذه الشهادة من تأملاته: “تبادل كلانا ضربات كثيرة كما لو كنا في حلبة ملاكمة: لم أكن أتحمل كفاحه الديني، كما لم يتحمل هو نضالي الماركسي،عندما كان يذكر لي القرآن، كنت أرد عليه  بتمجيد كتاب “رأس المال”. كان يحاججني بأني لا أفهم شيئا عن الدين بسبب الغمامة التي على عيني، فكنت  أجيبه بأنه ما هو إلا “أفيون الشعوب” أو أقترح عليه قراءة “ارتباك في الحضارة”« Malaise dans la  civilisation » (لسيغموند فرويد Sigmund Freud) .كنا نتعارض أيديولوجياً، لكن على الأرجح أن هذه المعارضة نسجت بيننا و عن جهل من كلينا، روابط جمعتنا و تمسكنا بها. كان نور الدين صلبا لكن دائما لطيفا، كان ذكيا، مثقفا يتحدث بطلاقة و يكتب بحماسة، و بالرغم من أن مقاومته كانت تزعجني، إلا أن نقاشي معه في حد ذاته كان ينعشني و أتصور أن الأمر كان يعجبه هو أيضا. كنت أفتقده عندما يغيب، كما أنه عندما كنت أغيب بسبب مرض خفيف ، كان زملاؤه يخبرونني انه يصبح خاملا يمضي ساعات الدروس متبرما في انتظار انقضائها،هل كان علينا التبارز حتى نشعر بوجودنا؟ هل كان يمتنّ كل واحد منا بإعطاء المتعة للآخر؟ هل بالنهاية هذا فعلا ما كان يربطنا؟ أم أن هناك أمر أعمق،هذا التشبث بالرأي الفكري، هذا الرفض للوصول إلى التوافق هو الذي حمل كلينا على المجازفة و دفع الثمن غاليا للدفاع عن قيمنا؟… أليست هذه الرغبة في عدم التنازل عما نراه أساسيا هي ما جعلتنا نتعارض و نتقارب في آن واحد؟ ألم يجد كل واحد منا، بطريقة أو بأخرى ، نفسه في الآخر؟ لست أدري”(5)

أستاذي العزيز، أنا اتفق معك في أن الأمر كما وصفته ، إلا فيما نعتني به في كوني” أصولياّ” فأنا لست كذلك لا في تلك هذه الفترة و لا في غيرها، لكني ببساطة مسلمُ فهِم ،بفضل بن نبي،أن الإسلام يمكن أن يكون شيئا آخر غير ما نسميه اليوم على سبيل التحقير”الإسلاموية”.

مذ ذاك، التقينا أكثر من مرة في الجزائر و فرنسا أنا ، هو و زوجته فضيلة، لنسجل في النهاية أن كل واحد منا مشى على الخطوات الأنسب نحو الآخر، و التجارب التي مرت بها الجزائر ساعدت كثيرا على ذلك. و أقدم إليهما من خلال هذه الأسطر خالص محبتي.
في صباح يوم ممطر،وصلتُ أنا وأختي إلى حيث يُقام الملتقى “حول الفكر الإسلامي”. تفاجأت بمجرد دخولي إلى القاعة الباردة و الضيقة بهيئة الأشخاص المحتشدين بها. بدوا لي كـأنهم “طُلبة” فارين من إحدى الزوايا . لم يكونوا في الحقيقة سوى ممثلين متواضعين للسلك الأكثر تحقيرا في الجمهورية التقدمية: أئمة المساجد. لكن فترة عزّهم في الجزائر لم تتأخر، حيث كان ذلك مع تصاعد موجة الإسلاموية في نهاية الثمانينيات.
اتخذت لي ،في حذر، مقعدا في آخر القاعة ،حيث كنت أرقُب المنصة التي انطلق منها صوت جهوري لا أذكر حتى صاحبه و هو شيخ مشرقيٌّ (إن لم تخني الذاكرة كان الشيخ الشعراوي)، و هو يصيح بقوة بجمل ترددت أكثر من ألف مرة في كل البلدان الإسلامية ومنذ زمن بعيد. و من حين لآخر، وفي أماكن مختلفة من القاعة يقوم أحد الشجعان المتأثرين من قوة الإيمان مرددا “الله أكبر”. كنت أترصد الوقت المناسب لأنسحب في هدوء في الوقت أعلن فيه المنشطُ المحاضرَ الموالي، ليظهر في المشهد رجل أنيق ذو شعر أبيض، و قامة طويلة، اعتقدته أوروبيا. بعدها بدقائق، تسمرت في مكاني و لم أكن لأتركه مهما حدث و لأي شيء في العالم. لقد اكتشفت للتو مالك بن نبي. بدا لي الرجل من مظهره الخارجيّ فقط جليلا، وقورا، مقنعا.
و شيئا فشيئا ، مع إنصاتي لحديثه، تلاشى كل الانزعاج و الظنون التي ترسبت لاشعوريا في نفسي لسنوات عن كل عمل إسلامي و حلت محلها رغبة ملحة للفهم، للمعرفة ، للعلم و للاستدراك. أذكر في كل ما سمعت هذه الجملة التي صدع بها :”من قوة تجلّيه يبدو الله غامضا“.سجلت بسرعة بعض النقاط لكني أدركت أن الأوْلى في تلك اللحظات ليس ما يمكن أن آخذ عن الخطيب- أصلا لم أكن أفهم عنه إلا القليل فيما يقول- بقدر ما هو الإستمتاع بفخر أنه احتواني من لحظة أن عرفت أن هذا الرجل كان جزائريا.
ذابت أحكامي المسبقة ،الواحد تلو الآخر، تحت تأثير نقاء و حرارة شمس شكل جديد للمشاعر القومية. انقلبت حياتي رأسا على عقب. منذ ذلك الحين، صار لها وجهة، معنىً، و أيضا حججا صلبة مع بن نبي. أصبحت أرى أنّ حقيقة  ممكن أن تكون مسلما في شكل  آخر، مختلف عن مجرد كونك كائنا قديما،انفعاليا، لاعقلانيا…
ابتداء و من حيث الشكل، غيّر النظرة المتكررة التي  كنت أحملها عن”العالِمِ” العاجز من جهة و عن “المتحضر” المجرد من كل روح من جهة أخرى. كان بن نبي مُهماً، حقيقيا، جميلا، يجسد بكليته كل ما كان يقوله، أي المسلم “الأصيل و الفعّال”. فقد كان القدوة التي تستحق الإتباع والنموذج المِثالي الواجب الوصول إليه.
لكن ،و في الوقت ذاته الذي استقرت في نفسي هذه النشوة ، تولد معها لغز: كيف يمكن لرجل بهذه الأهمية و هذا الحجم أن يكون مجهولا كليّة في بلده؟ مدى إدراكي للأمور لم يعطني أية إجابة ولم أكن أعرف أي شخص في هذا الوسط “الإسلامي” الذي وجدت نفسي فيه بالصدفة ،حتى أطرح عليه سؤالي هذا. كنت أعرف تقريبا كل الكتاب الجزائريين  بل و كنت معجبا ببعضهم لكن هذا الإسم لم يمر عليّ من قبل.
إذا كان ينتمي الأوائل إلى تيار أدبي يعود إلى بداية القرن ، حيث خلّدت أغلب الأوجه المعروفة أسماءها من خلال قصص يسردون فيها حالاتهم الوجدانية التي يستلهمونها من أحداث حية أو من طبيعة ميتة ، فإن بن نبي دشّن شيئا مختلفا، ينتمي إلى مجال آخر ، اكتُشِف من صنف مجهول في تاريخ الأدب و الأفكار في بلدي منذ ابن خلدون: فهو المفكر ، صاحب الرؤية، لا هو بروائي و لا عالم اجتماع ،و لا هو بفيلسوف و لا مؤرخ، هو كل هذا مجتمعا ، يعتبر الرجل بمفرده الخلاصة الفكرية لكل إيجابيّ أنتجه العقل الإنساني منذ الحضارة السومرية و إلى يومنا هذا ، هو فوق كل  حدود الأمم و الحضارات، بل وما وراء الأفق الذي يحده كل منها.
في اليوم الموالي، ذهبتُ إلى المكتبة الوطنية للبحث عن كتبه. في المجمل لم أجد سوى عنوانين أو ثلاثة. بدأت في قراءة ما وجدت و كأني مستكشف مغامر يتجول بين تجاويف المتاهة حتى يصل إلى مخرجها المجهول إلى تلك اللحظة، و من خلال تشكيلة أرشيف جريدة ” الجمهورية الجزائرية “، نقلت كتابيا المقالات التي نشرها بن نبي بين سنوات الأربعينيات و الخمسينيات. سنوات من بعد، واصلت هذا العمل في مدينة فرساي  (Versailles) حيث يوجد ملحق مكتبة باريس الوطنية ،حيث يتم الإحتفاظ بتشكيلة الصحف الجزائرية في تلك الفترة.
ثاني مرة رأيت فيها مالك بن نبي كان في 23 جانفي 1970 في قاعة الأعمال (salle des Actes)، حيث قدم محاضرة حول”معنى المرحلة الراهنة”. في حين كانت المرة الأولى التي ألمح الدكتور الشهير عبد العزيز خالدي ، اسم كنت أعرفه من العمود الممتع الذي كان ينشره في جريدة “المجاهد” أو”الثورة الإفريقية« Révolution africaine »  من حين لآخر. كان خالدي بجانب بن نبي على المنصة ليقدم صديقه الدائم -أي بن نبي- للجمهور. في تلك الفترة كان هذا الأخير ينشط “حلقات” في بيته ،حيث يستقبل طلبة ناطقين بالفرنسية وآخرين بالعربية بالتناوب يومي السبت و الأحد.

لم أكن أعرفُ ذلك و لم أتلق هذه المعلومة إلا عندما اقتربَ مني تلميذ من قسم نهائي آخر في ساحة الثانوية بسبب الصدى الذي بدأتْ تُحدِثه مناقشاتي مع  أستاذي ماسكينو. لم يكن لدي اتصالات مع أيّ كان ،و لم أتعرف على أيّ شخص، رغم مشاركتي في أشغال الملتقى الثالت الذي أُقيم في ديسمبر 1969 بـ”المدرسة العليا للأستاذة” (بوزريعة) التي كان يديرها المرحوم عبد الحميد مهري.

في الحقيقة لم يكن يهمني سوى بن نبي، فقد كنت أبعد ما يمكن عن أي شعور بانجذاب تجاه الناس الذين كانوا حوله. مشكلتي لم تكن روحية إنما كانت فكرية. هناك ، و على مدى أربع سنوات، عشت الأوقات الأكثر إثارة في حياتي من الناحية الفكرية في ظلِّ مالك بن نبي. كنا حوالي ثلاثين طالبا نرتاد دروسه بانتظام كل سبت تقريبا من الساعة الرابعة إلى الساعة السابعة مساءا.

كانت محاضراته مفتوحة في وجه أول قادم .لم يكن يطلب شيئا من أحد ، لا هويته، ولا سبب حضوره. لم يكن يهتم لعدد الحضور الذي لا يمكن أن يتجاوز العدد المذكور بسبب قدرة استيعاب المكان المخصص للمحاضرة (مساحته كانت في حدود 20 مترا مربعا). كان يقدم دروسه بالاستعانة بسبورة مدرسة، ومن حين لآخر، كان يطرح سؤالا أو اثنين و كأنه يريد التأكد من مدى متابعة الحضور له، لكنه كان يعي جيدا أنه، غالبية الوقت، كان الوحيد الذي يفهم الموضوع المطروح.

فيواصل درسه ، و يستمر في تقدمه، و هو يضحي من أجل مهمته، غير آبه بمتابعيه الذين ألف منهم حوالي عشرة وجوه فقط. صوته كان مرتفعا، قويا وأحيانا جهوريا. كان يرتدي في بيته غالبا منامة عليها لباس المنزل ، وأحيانا” قميصا” ناصعا تحت برنوس من نفس اللون، غالبا ما كان ذا مزاج مرح  وسريع الضحك ، ينحني برأسه إلى الخلف عندما تغلبه متعة ضحكة لا تُقاوم ،لكن بمجرد استئنافه للعمل، تصبح عيناه لامعتين وتنغلق فجأة ملامحه الناعمة و المرسومة بشكل جميل، فلا تبقى سوى سمة الجدية المطلقة على محياه.

كان رجلا إنسانيا بعمق، كان يجمع بين الحكمة و البراءة الطفولية في آن، كان منزله خاليا من الأثاث، لم تكن الكراسي التي كنا نجلس عليها متجانسة، يتشكل مكتبه الشخصي من خزانة بأبعاد متوسطة و مكتب يجلس خلفه ،حيث يعمل أو يستقبل الزوار. يتميز بوداعة ، طيبة واستقامة تأسرك من أول وهلة ، كان لا يغضب إلا إذا حُرِّف تفكير منطقي أو عُبِّر عن فكرة بشكل خاطئ، الأمر الذي كان يعيشه كاعتداء على الحق و الخير ، لكن انفعاله لا يدوم سوى لدقائق معدودة.

أتذكر في إحدى الأمسيات الرمضانية، عندما مررت مع زميلٍ لي لاصطحابه من منزله إلى المكان ،حيث سيلقي محاضرة .في لحظة ما،  تبادر إلى خاطر رفيقي، الذي جلس بجانبه في المقعد الخلفي للسيارة، أن يفتح حديثا معه، لكنه أساء طريقة فتح الموضوع. فانفجر بن نبي تحت وقع تفاجئنا و كأن صديقي الوقح قلل من احترامه. بالنسبة لي لم أغامر يوما بطرح أسئلة عليه، كنت أشعر و كأني قزم أمام الأثر الذي ينبثق منه ، فضلا عن أنه كان يكفيني مجرد أن أعرف أنه حيٌّ بيننا، في الجزائر و في عصرنا هذا.

عرفت العاصمة خلال تلك الفترة حياةً ثقافيةً حقيقيةً: محاضرات عموميّة، ملتقيات شعرية، مسرح، مراكز ثقافية أجنبية… لم أكن أضيع أيّا منها. من جهة أخرى ، بدأت أكتب بانتظام في القسم الثقافي لجريدة “المجاهد” باللغة الفرنسية ،حيث كان لديّ عمود خاص .و هكذا لاحظني الدكتور خالدي و من بعده بن نبي. فكنت أمضي وقتا طويلا مع الأول في عيادته أو منزله، لأنه كان يريد –الأمر الذي فهمته لاحقا- أن “يُكوّنني”.

تحت وقع الصدمة، اختطفه الموت فجأة في 26 مارس 1972 في سن 57 سنة، وكان أول يومِ أحد تغيّبتُ فيه عن “الصالون” الذي تعودت ارتياده والذي كان ينظمه في بيته كل أسبوع. و لقد مُنحت شرف كتابة تأبينيته. فأنجزته ثم قدمته ليومية ” المجاهد”.و عندما مررت إلى المطبعة في العاشرة ليلا لتصحيح نصي، أخذت معي نسخة عن مسودة طبع الصفحة الثامنة – و لا أعرف لماذا، فلم أفعل ذلك من قبل – حيث كان سينشر المقال المذكور مع شعر لمومو(حيمود براهيمي) (6) تحت عنوان “في ذكرى الخالدي“و الذي حرره ليلة أمس.عندما اشترينا الجريدة في اليوم الموالي، صفعتني مفاجأة عدم نشر لا خطابي و لا شعر مومو. إلى الآن مازلت أحتفظ بهذا الدليل الحيّ لمقص الرقابة التي مارسها أحمد طالب الإبراهيمي و الذي ساعده خالدي للوصول إلى المنصب الذي وصل إليه.

بالإضافة إلى المقال التأبيني، سلمتُ للجريدة خبرا موجزا عنونته” جنازة الدكتور خالدي” و الذي تم نشره لأني ذكرت فيه أسماء الشخصيات الرسمية التي حضرت الدفن، أمّا التكريم المحذوف الذي كتبته لخالدي فقد نشرته ،في ماي 1972، مجلة “الجزائري في أوروبا”« L’Algérien en Europe » التي كانت تصدر في باريس، وكان يسيرها عبد الكريم غريَّب. المقالتان الوحيدتان اللتان خُصصتا لوفاة خالدي كانتا تلك التي كتبها مراسل«Le Monde » في الجزائر والذي قدم خالدي كـ”العقل المدبّر في السلطة الجزائرية“،و آخر بقلم مثقف جزائري ،هو هاشمي العربي، في عدد من أفريل سنة 1972 لجريدة « Algérie-Actualité » عنونه “إلى خالدي، صفحة من التاريخ انطفأت“.

عندما أتذكر هذه الفترة و أقلب بين أرشيفي لأعود إلى هذه الصفحة التي تم حجبها ،لا أعمد إلى قراءة مقالي لكن إلى قصيدة مومو التي أقرؤها دائما بنفس المشاعر التي لم تتغير، شخصية سامية غريبة الأطوار، من أبناء القصبة ،و هاوية للسينما خالدة في الذاكرة الجزائرية.

و ها هي القصيدة كاملة :

” لكي تكون خالدا، لابد أن تطرق باب الموت،
 الموت جليل كالاسم الذي لقبك به والداك ،يا عبد العزيز.
لو كان الموتُ مجرد وداعٍ، سيعود صديقيَّ المحظوظ ليفاجئنا بكلماته الطيبة،
ولو كان الموتُ إغفاءة عادية، سأكون سعيدا بأن أساعد على إيقاظه بعد أن يأخذ كفايته من النوم،
لو كان الموتُ مجرد غيابٍ عابرٍ، فسأنتظرُه في مكان لقائنا المعتاد دون استعجال،
لو كان الموتُ منجما للذهب، أعلم أن صديقي كان سيُعرِض عنه و يذهبَ ليموتَ بعيدا،
ولو كان الموتُ هو الموت، لأنه جُعل كي يتوفى البشر، فالموتُ سيتمسك بالحياة كي لا يموتَ هو،
لكن الموتَ هو كل هذا، بل و أكثر من هذا، هو خزّانُ الصداقة الذي يعزز أواصلَه بما وراء الزمنِ و التاريخ،
 هو أيضا سرُّ الإنسان الذي سيَخْلُصُ إلى أن يرى بقلبه ما يجبُ أن يراه”.

حصلتُ أحيانا ،واعتبرهم أكبر تشريفات حياتي، على حظوة مرافقة مالك بن نبي و تقديمه للجمهور كما حدث ذلك مرة في مدرسة أشبال الثورة بالقليعة ،و أخرى في حلقة لضباط البحرية بالعاصمة. لقد حدث أيضا أن أمضيتُ ليال في بيته، بمرافقة زميل لي، لتأمينه و حمايته في الفترات الصعبة. وعندما كان يأتي ليطمئن أنه لا ينقصنا شيئا قبل إطفاء الأنوار، كنا نريد إبقاءه بيننا لفترة متحججين بذريعة أو بأخرى على أمل أن يحدثنا عن نفسه. لكنه كان يعرض عن ذلك. أمّا الشرف العظيم الذي كرمني به، فهو أن أوكل لي مسؤولية تحرير مقدمة كتابه ” مشكلة الثقافة ” أشهرا قليلة قبل وفاته.

علاوة على المقالات التي نشرتها في “المجاهد” بين 1972 و 1973، وإشرافي على تحرير مجلة « Alger-Réalités »، كنت أنشر من حين لآخر مقتطفات من كتبه و التي كانت بالنسبة لي أيضا طريقة لمساعدته ماديا. واكتشف ألان كريستلو(Allan Christellow)، الذي كان يدرّس اللغة الإنجليزية في عنابة في إطار التعاون الأمريكي، مالك بن نبي عندما اشترى في يوم ما عددا من هذه المجلة الشهرية.  لقد تعارفنا 30 سنة بعد ذلك وهو الذي حرر مقدمة كتابي “الإسلام بدون إسلاموية : حياة و فكر مالك بن نبي”.

عندما حصلتُ على الوثائق التي بقيت على حالها منذ وفاة مالك بن نبي، تفاجأت و أنا أجد بينها نص أحد مقالاتي الذي نُشر في “المجاهد” بتاريخ 27 أكتوبر1972  تحت عنوان” الإسلام: مادية أم مثالية ؟”.

أشار بن نبي أكثر من مرة ، وكرر في ملتقياته الجملةَ اللغز:”سأعود بعد ثلاثين سنة“. ثلاث سنوات بعد وفاته، قررت الجزائر أن تتخذ الإطار الدستوري المؤسس على الحزب الواحد. بعد انقلاب بن بلة في 1965، تم تسيير البلاد بدون دستور أو ممثلين في البرلمان. فسمحت السلطة حينها لبضعة أسابيع بنقاش وطني للتباحث حول الإطار الدستوري الجديد و عمله على شكل مشروع “خارطة وطنية”، مشروع دستور وانتخابات رئاسية. انتهزتُ هذه الفرصة الذهبية لحرية التعبير، فجمعتُ و نشرتُ مع زميلين لي خمسة نصوص لمالك بن نبي تحت عنوان” القضايا الكبرى” مرفقةً بمقدمةٍ و مجموعة حواشي لتسهيل القراءة. و كان سبب اختيار هذه المواضيع ما لها من علاقة مع الإشكاليات المطروحة في هذا النقاش الوطني. لدى شراء الأمريكي دافيد جونستون  (الذي كان رئيس الكنيسة البروتستانتية في الجزائر) لهذا الكتاب، اكتشف بن نبي. و تعرفتُ عليه سنة2003 ثم عرّفتُه بابن بلده آلان كريستلو،كما نشر السيد كمال عمر مسقاوي، و الذي لم أكن أعرف عنه سوى اسمه، هذا الكتاب بعدما ترجمه إلى العربية في دمشق بعد فترة وجيزة.

كلمة الختام:

أنجزتُ هذا العمل ، بعض الشيء من أجل بن نبي ، لكن توجهي الأكبر كان نحو الأجيال الجديدة داخل وطننا و خارجه، على أمل أن يُنشِّط اكتشاف فكر هذا الرجل نزعات ذات معنىً و ينجب عقولا عالمية تسجل حضورَ الحساسية الإسلامية في النقاشات الدولية.

السلسلة التي خصصتُها لفكر مالك بن نبي في 37 مقالاً وصلت إلى نهايتها. لقد تحقق هاجس و انشغال بن نبي:” ها قد عـاد”، يُهتم بأفكاره اليوم أكثر من الإهتمام بها و هو على قيد الحياة في الجزائر و في سائر العالم.

و استجابة لهذا الاهتمام المتجدد كنتُ قد اقترحتُ على جريدة ” لوسوار دالجيري” « Le Soir d’Algérie » هذه السلسلة التي نُشرت باللغة الفرنسية على مدى أربعة أشهر متواصلة مابين 22 أكتوبر2015 و 25 فيفري 2016 كل يوم أحد و خميس،حيث خُصص لكل مقال صفحتان كاملتان.

منذ جانفي 2016 عكف الموقع الفرنسي “أمة.كوم ” على نشر السلسلة لفائدة المتتبعين ، و منذ الفاتح من فيفري 2016 بدأ الموقع الإلكتروني “الجزائر اليوم” في نشر ذات السلسلة باللغة العربية كل اثنين بفضل الترجمة الجيدة و الكُفأة  للأستاذ عبد الحميد بن حسان.

و هاهي جريدة ” الحوار” تحوز السبق في الصحافة الجزائرية المعرّبة وتحمل على عاتقها نشر ذات السلسلة باللغة العربية على صفحات جريدتها الطبعة الورقية و موقعها الالكتروني في التزامٍ يوميٍّ منذ 29/05/2016 ،على صفحتين كاملتين و بإخراج جميلٍ جمالَ فكر مالك بن نبي. مجموع هذه النصوص متوفرة على صفحتي في الفايسبوك .

يبقى أمل ترجمتها إلى الأمازيغية ، الإنجليزية، ، الإسبانية ،الإيطالية،الألمانية، الصينية، الروسية، البرتغالية،الأردية، الخ، إذ أتمنى أن يتقدم متطوعون جزائريون أومن جنسيات أخرى لهذه المهمة. دون أن ننسى إمكانية كتابتها بطريقة برايل.

                                                                                            المراجع
  • جريدة “المجاهد” عدد 26 نوفمبر 1970
  • مقال” كتاب ليس للقراءة”«  Un livre… à ne pas lire ? », ، جريدة المجاهد عدد الفاتح من ديسمبر 1971
  • “الماركسية و العالم الإسلامي”« Marxisme et monde musulman »منشورات سوي du Seuil ، باريس 1972
  • منشورات الصداقة بالكتاب ، رونيي،1972 L’Amitié par le livre, Rennes.
(5) موريس طارق ماسكينو:” عودة إلى الجزائر  « L’Algérie retrouvée » “دار النشر فايارد،باريس Ed. Fayard, Paris 20042004.
(6)حيمود براهيمي (1918-1997) المعروف باسم”مومو” هو شخصية غريبة الأطوار من قصبة العاصمة الذي اشتهر بمآثره الرياضية الدولية في سنوات الأربعينيات قبل أن يُعرف في عالم المسرح ثم السينما و أخيرا الشعر و ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقيا).هو صاحب كتاب ” الهوية السامية”(منشورات باكونييه،العاصمة1958) « L’identité suprême » (Ed. Baconnier, Alger 1958),،”نور القصبة” (منشورات لوسفلد،1993) ( « Casbah lumière » (Ed. Losfeld, 1993وكتاب آخر لم يُنشر،كان يعرف ألبيرت كاميسو Albert Camus ميشال فالسان Michel Valsan  (كان تلميذ غينون Guénon-عبد الوحيد يحيى- الذي أصبح يعرف بـ “مصطفى عبد العزيز”).
أعمالي حول مالك بن نبي:
  • جمع وكتابة مقدمة و حواشي الخمسة نصوص التي نشرت تحت عنوان “القضايا الكبرى”.منشورا ت IPA ،الجزائر العاصمة 1976.
  • مقال” النظام البنبوي” في “المسارات المغربية” « Parcours Maghrébins », الجزائر العاصمة ، عدد فيفري 1987.
  • جمع و كتابة مقدمة 47 مقالا كُتبت ما بين 1953 و 1968 ،في كتاب بعنوان« Pour changer l’Algérie » ” من أجل تغيير الجزائر” منشورات SEC ،الجزائر العاصمة 1989. .
  • كتابة مقدمة كتاب “مشكلة الأفكار”« Problème des idées », منشورات SEC،الجزائر العاصمة 1991.
  • مقال ” الفكر الإقتصادي لمالك بن نبي”« La pensée économique de Malek Bennabi », ، جريدة الوطن عددي 18 و 19 اكتوبر 1992.
  • مقدمة كتاب” المسلم في عالم الإقتصاد”« Le Musulman dans le monde de l’économie », ، ،منشورات البرهان El-Borhane ، الجزائر العاصمة 1996.
  • فصل في كتابي ” الجزائر بين السيئ و الأسوأ”« L’Algérie entre le mauvais et le pire » باللغتين العربية و الفرنسية منشورات القصبة 1997.
  • “الفكر و السياسة لدى مالك بن نبي”« Pensée et politique chez Malek Bennabi »,  تدخل أثناء المؤتمر الدولي حول فكر مالك بن نبي ،أكتوبر 2003،الجزائر العاصمة.
  • مقدمة “وجهة العالم الإسلامي”، منشورات البراق Al-Bouraq ، باريس 2005.
  • مقدمة ” مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”« Problème des idées dans la société musulmane », ،منشورات البراق Al-Bouraq ، باريس 2005.
  • كتاب “الإسلام بدون إسلاموية :حياة و فكر مالك بن نبي”« L’islam sans l’islamisme : vie et pensée de Malek Bennabi », ،منشورات سمار Samar ، الجزائر العاصمة 2006.
  • تقديم “مذكرات شاهد على القرن: الطفل، الطالب،الكاتب، الدفاتر”.منشورات سمار، الجزائر العاصمة2007
  • “فكر مالك بن نبي”سلسلة من 37 مقال نشرتها جريدة لوسوار دالجيري ما بين 22/10/2015 و 25/02/2016،أعاد نشرها الموقع الفرنسي” أمة .كوم”، و نشرها باللغة العربية موقع “الجزائر اليوم” و جريدة ” الحوار” ما بين 29 مايو و11يوليو 
  • 2016

ليست هناك تعليقات: